top of page

االصوم في اللغة مطلق الإمساك، وفي شرع القوم هو الإمساك عمّا سوى محبوبهم، ولهذا المقام فرائض وشروط وموانع ومستحبّات.

لكن يكون إمساك العارفين عما سوى الله في حضرة مخصوصّة، وهي حضرة الذات وقد يعبّرون عنها بحضرة الجبروت، وفي الغالب يتعذّر الجمع على صاحب هذا المقام لاضطراب أمواج الأسماء والصفات، فكلّ ذلك مناقض للإمساك بخلاف الحضرة الأحديّة فهي منزّهة عن أن يناقض غيرها وصاحبها، وإن خطر على قلبه ما سوى الله فقد خرج منها وبطل صومه، فهكذا يكون صاحب تلك الحضرة المتقدّمة في الذكر، وأمّا باقي الحضرات فقد يحتجب صاحبها بظهور الأسماء والصفات، فيكون شهود الذات في حقّه مستحبّا إن أدركته.

لمّا تقرّر عند القوم أنّ الإمساك واجب عما سوى الله تشوّفت النفوس إلى معرفة وقت الوجوب، فأخبر المصنف بأن ذلك يكون عند رؤية الهلال فكأنّه يقول: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه / البقرة آية / 185)، فالمقام مقام مشاهدة، ثمّ اعلم أنّ هذه الرؤية لا تكون في أرض الكثافة إنّما تحصل في سماء اللطافة، ومن لم يرفع رأسه للخارج فلا يرى ملكوت السموات والأرض، ولهذا تجد أكثر المريدين حالة دخولهم على الله غلب عملهم تغميض العينين وجمع الحواس حالة الذكر، وذلك من أهم الوسائل في الطريق لأنّ المريد لا تجتمع همّته إلاّ عند انقطاع مادة الحسّ، والحسّ له غلبة في الظاهر، وكلّ ما يصل من الحسّ إلى المعنى حالة الفناء فذلك مناقض للإمساك اللّهم إلاّ إذا صار الحسّ هو عين المعنى، فحينئذ لا يكون مناقضا، والوصول إلى هذا المقام من وراء العقول، ثمّ اعلم أنّ نفس المريد إذا أصابها قطيعة وهي المعبّر عنها بدم الحيض أو النفاس فيحرم عليها الاستغراق وينسدل عليها الرواق لوجود المانع، ومتى ارتفع هذا المانع يجب على المريد أن يقضي ما فاته من أوقات الموافقة.

ذكر ما يكره على المريد، وهو أن يخطر شيء من الحسّ على بصيرته خشية أن يرتسم ذلك في لبّه فينقطع عن ربّه، فلهذا ينبغي للمريد أن لا يتهاون في ذلك، بل يقف على باب قلبه.

إنّ الخارج من الحسّ في دفعة إلى المعنى تعتريه أمور محسوسة حالة سيره في الطريق، تعرض نفسها عليه، وإن وقف معها حرّم عليه، وقد تقدّم أنّ الحسّ مناقض للمعنى والمريد يريد الخروج عن الكلّ فإذا وقف مع البعض فيكون له قاطعا عن الله، إنّ القواطع كثيرة من أن تحصر بحيث لا يمكن الخروج عنها تفصيلا، وإنّه إذا أراد الخروج عنها شيئا فشيئا فهي متتابعة، لأنّ كلّ ما يعتري المريد من الأسباب المناقضة لصيامه هي داخلة في العرش، وأمّا في خارج هذا المظهر لا يجد ما يناقض صيامه.
لّ تنزيه

Vos informations ont bien été envoyées !

bottom of page