



"من عرف نفسه قد عرف ربه"
كقوله تعالى {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فأذا عرفوا أنفسهم عرفوا ربهم فايالتعليق على المحال. وقيل كما قيل عن النبي داوود على محمد وآله (ص) إنه قال ما معناه: من عرف نفسه بالجهل عرف ربه بالعلم، من عرف نفسه بالعجز فقد عرف ربه بالقدرة. وهكذا. وهذه المعرفة ظاهرها قريب الى الأفهام وباطنها يطول فيه الكلام وحاصله يظهر مما يأتي أن شاء الله تعالى. وقيل من عرف نفسه الحيوانية الحسية الفلكية بأنها ليست في مكان من الجسد ولايخلوا منها مكان منه ليست فيه على جهد الحلول ولابانية منه بل هي فيه لا كالماء في الكوز ولا كشيء داخل في شيء كالماء في العود الأخضر ولا هي خارجة عنه كشيء خارج ولا ممازجة ولا مصاحبة بل مدبرة للبدن بغير مباشرة ولا مشاركة له في شيء من أحوال الأجساد فمن عرف نفسه كذلك فقد عرف ربه تعالى بأنه مدبر العالم لا يخلو منه مكان ولا يحويه داخل لا كشيء داخل خارج كشيء خارج إلى آخر ما ذكره في صفة النفس وهذه معرفة أصحاب الأنظار من المتكلمين وقيل: من عرف نفسه أنه مصنوع فقد عرف أن له صانعاً ومن عرف أن نفسه أثر عرف إن له مؤثراً وهكذا، هو. وهذه معرفة أهل الآثار. وقيل من عرف نفسه في قوله روحي وجسدي ويدي ورجلي وعيني ورأسي ووجودي فهذا الذي أضيفت إليه هذه الأشياء وما أشبهها هو وغيرها لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه فمن عرف هذه المعبر عنه بضمير المتكلم عرف ربه بقوله تعالى عبدي وأرضي وسمائي وعرشي وبيتي وما أشبه ذلك ويريد القائل بالنفس النفس الناطقة التي أصلها العقل، منه بدأت وعنه دعت واليه دلت وأشارت وهذه النفس أعني الناطقة في الإنسان الصغير بمنزلة اللوح المحفوظ في الإنسان الكبير.وحيث ثبت أن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد كانت هذه النفس تدل على وحدانيته عز وجل. واعلم إن هذه الأقوال تدل على المعرفة الظاهرة وأما المعرفة الحقيقية فهي معرفة النفس التي هي كنه الشيء من ربه لأنه تعالى خلق الإنسان وأول كونه كانت له حقيقة من ربه وحقيقة من نفسه فالتي من ربه هي النور المعبر عنه تارة بالماء الذي جعل منه كل شيء حي وتارة بالوجود وتارة بالنور كما قال عليه السلام : أتقوا فراسة المؤمن فأنه ينظر بنور الله. وقال الصادق عليه السلام: إن الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، أبوه النور وأمه الرحمة ثم أستشهد بقول جده أمير المؤمنين عليه السلام: أتقوا فراسة المؤمن فأنه ينظر بنور الله.ثم قال عليه السلام يعني بنوره الذي خلق منه وتارة يعبر عنه بالفؤاد كما قال الصادق عليه السلام ما معناه: وأذا تجلى ضياء المعرفة في الفؤاد أحب وأذا حب لم يؤثر ما سوى الله عليه وتارة يعبر عنه بالمادة الأولى وكما هو مبنى طريقتنا أذا قلنا الوجود وأردنا منه الموصوف لا الصفتي كالمصدر والرابطي والعام وما أشبهها فأنا نعني بالوجود الذي هو الذات المادة فللإنسان كنهان كنه من ربه النور الذي هو مادته الأولى وكنهه من نفسه الظلمة وهو الصورة أعني أنفعاله وقابليته للأيجاد وهي المسماة بالمهية والكنه الأول هي النفس التي من عرفها فقد عرف ربه يعني ان عين معرفتها عين معرفة الله الا إن هنا معرفتين، معرفة النفس ومعرفة الرب ... التكملة تأتي إن شاء الله تعالى